محاولات داعش للتكتم على مقتل قادته تثبت فشل إعلام التنظيم

  • يلجأ داعش وإعلامه الرسمي للتغطية على مقتل قادته وأمرائه
  • شغل أبو حمزة القرشي منصب نائب خليفة التنظيم ووزيره

حين استهدفت طائرات التحالف الدولي لدحر داعش أبو سارة العراقي/ عبدالرؤوف المهاجر، علي سلمان جاسم محمد الجبوري، أمير الإدارة العامة للولايات بالتنظيم، في 24 فبراير/ شباط الماضي، سارعت بعض المصادر للقول بإن “العراقي” ينتمي لتنظيم حراس الدين وأن كنيته هي: “أبو عبادة”، دون الإشارة إلى كونه مسؤول مكتب الشام، أحد المكاتب الخارجية الثمانية لداعش وأمير الإدارة العامة للولايات التي عُرفت من قبل باسم إدارة الولايات البعيدة، بيد أن تلك الرواية لم تصمد طويلًا فما هي إلا أيام معدودة حتى انكشفت الحقيقة وأُعلنت الهوية الحقيقية للقيادي القتيل عبر منشقين عن داعش.

وما بين الإعلان عن الهوية الزائفة لـ”أبو سارة العراقي”، وكشف هويته الحقيقية روجت بعض الحسابات المحسوبة على تنظيم داعش وغيرها الرواية الأولى وروجت أن استهداف “العراقي” يأتي ضمن الصراع الممتد بين هيئة تحرير الشام والجهاديين المعارضين لها في شمال سوريا وفي القلب منهم تنظيم حراس الدين، الفرع المحلي للقاعدة، ليتضح، لاحقًا، أن هذا الأمر ليس سوى محاولة تضليل جديدة لأنصار داعش من أجل التكتم على مقتل القيادي الموصوف بأنه الرجل الأول في التنظيم، وهو نفس ما حصل مع أبو حمزة القرشي (المهاجر)، المتحدث السابق باسم داعش ونائب خليفته (الأسبق) أبو إبراهيم القرشي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

خداع بشأن مصير قادة داعش

وفي الحقيقة، يلجأ داعش وإعلامه الرسمي، ديوان الإعلام المركزي، عادةً للتغطية على مقتل قادته وأمرائه بتجاهل أنباء استهدافهم أو مقتلهم وعدم الالتفات إليها إلا في حالات نادرة اضطر فيها التنظيم للاعتراف بمقتل بعض قادته بعد تسرب الأخبار عن استهدافهم لأوساط عناصر التنظيم ومناصريه.

ففي العدد 379 من صحيفة النبأ الأسبوعية، والصادر بتاريخ 23 فبراير/ شباط 2023، أقرت الصحيفة الناطقة بلسان التنظيم بمقتل حمزة الحمصي، مهند سراي فدغم البخيت، الذي قُتل في عملية مشتركة للقوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في بلدة الصبحة بريف دير الزور، لكن الصحيفة ادعت أن “الحمصي” لم يكن قائدًا أو أميرًا بديوان الأمن العام، أحد أهم دواوين التنظيم.

مقتل أبو سارة العراقي.. إمبراطورية داعش الإعلامية "فانية وتتدهور"

وبدا لافتًا أن التنظيم اعترف للمرة الأولى، تقريبًا، بمقتل قيادي به، رغم ادعائه أنه مجرد مقاتل، خاصةً أن التنظيم يتكتم في الحالات المشابهة عن استهداف كوادره وأمراءه، وتروج الحسابات والقنوات التي يديرها إعلام التنظيم أن على أنصاره الالتزام بالبيانات الرسمية التي يُصدرها بما يعني عدم الإقرار بالروايات والأنباء التي يُعلنها خصومه، وذلك من أجل السيطرة على أتباع داعش وصرف أنظارهم عن مقتل قادتهم.

وأتى هذا الاعتراف بعد نشر بيانات تفصيلية تتضمن الاسم الحقيقي وصورة خاصة للقيادي المقتول حمزة الحمصي في وسائل إعلام وفي مقدمتها “أخبار الآن“، وهو ما تناقلته العديد من الأوساط المهتمة بشؤون التنظيمات الجهادية بما فيهم منشقون عن داعش كقناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي”.

مقتل أبو سارة العراقي.. إمبراطورية داعش الإعلامية "فانية وتتدهور"

داعش يعترف بمقتل حمزة الحمصي بعد نشر أخبار الآن صورته

ومثل هذا الاعتراف إقرارًا، ضمنيًا، بالبيانات السابقة التي أعلنها التحالف الدولي لدحر داعش “قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب” وغيره من الجهات التي تحارب التنظيم لاستهداف قادة وأمراء داعش الذين قُتلوا في أوقات سابقة مثل عبدالله مكي الرفيعي “أبو خديجة العراقي“، الذي قُتل أواخر فبراير/ شباط الماضي، في عملية نوعية لجهاز مكافحة الإرهاب والمخابرات الوطنية العراقية بوادي حوران في الأنبار.

وبدورها، اعتبرت قناة فضح عُباد البغدادي والهاشمي، أن محاولات داعش لتكذيب الرواية الأمريكية عن مقتل “حمزة الحمصي” تأكيد لكل البيانات السابقة الصادرة عن التحالف الدولي لدحر داعش والقيادة المركزية الأمريكية عن استهداف أمراء التنظيم بما فيهم الأخوين فايز وماهر العقال، الذين شغلا مناصب قيادية هامة في اللجنة المفوضة لداعش وفي ولاية الشام ومكتب الشام الذي يُعد أهم مكاتب داعش الخارجية التي يستخدمها التنظيم كقيادات إقليمية له.

ورغم أن التنظيم يدعي في كل مناسبة ممكنة أن الرواية الأمريكية كاذبة ومتناقضة، إلا أنه يؤكد بين الحين والآخر صحة هذه الرواية عبر التفاصيل والمعلومات التي يوردها في إعلامه عن قادته المقتولين، والذين تُنشر سيرهم في تبويب خاص بصحيفة النبأ الأسبوعية.

وسبق أن أقر ديوان الإعلام المركزي، في إصدارات مرئية وفي أعداد من صحيفة النبأ بمقتل عدد من قادته منهم أبو المغيرة القحطاني، والي داعش في ليبيا والذي قُتل في غارة للتحالف الدولي عام 2015، وأبو علي الأنباري، نائب خليفة التنظيم سابقًا، وأبو أيمن العراقي، القيادي العسكري البارز بالتنظيم، لكن هذا الإقرار جاء بعد أشهر طويلة من تكتمه على مقتلهم، وللمفارقة فإن التنظيم أورد معلومات تتفق تمامًا مع الرواية الأمريكية عن مقتل أمراءه، وهو ما يعني أنه كذب على أتباعه حينما أخفى مقتل هؤلاء القادة وطلب منهم الالتزام بما يصدر عن الإعلام الرسمي له.

مقتل أبو سارة العراقي.. إمبراطورية داعش الإعلامية "فانية وتتدهور"

تفكك إمبراطورية داعش الإعلامية

على أن أسلوب الإنكار ثم الاعتراف الذي يتبعه إعلام داعش الرسمي يكشف عن تقويض الإمبراطورية الإعلامية للتنظيم، والتي عُدت أحد أهم أسباب صعوده وتمدده السريع في مرحلة الخلافة المكانية، إذ اعتمد التنظيم على مبدأ الترويع والصدمة، المستمد من الفكر العسكري، وطبقه في العمل الإعلامي ليضمن حسم المعارك بالتخويف والرعب، كما كان يُردد أبو محمد الفرقان، أمير ديوان الإعلام المركزي سابقًا والمؤسس لشبكات ومؤسسات التنظيم الدعائية.

فمع الضربات التي تلقاها التنظيم، في غضون السنوات الأخيرة، فقد داعش ثُلة من كوادره الإعلامية البارزة بما فيهم متحدثه الإعلامي السابق أبو حمزة القرشي، الذي تُشير المعلومات المتوافرة عنه إلى أنه كان واحدًا من أهم كوادر مجموعة العمل الإعلامي باللغات الأجنبية، والتي يُسميها التنظيم بالإعلام الأعجمي، في داعش وأحد مشرفي مؤسسة الحياة المسؤولة عن الإصدارات الإعلامية الأجنبية في التنظيم.

وعلاوة على دوره الإعلامي المحوري، شغل أبو حمزة القرشي منصب نائب خليفة التنظيم ووزيره، وكان يعمل على إعادة هيكلة شبكات التنظيم العاملة في المجال الإعلامي ليُعوض التراجع والخسائر التي مُني بها التنظيم منذ انهيار خلافته المكانية في مارس/ آذار 2019.

وفي نفس السياق، اتبع التنظيم مقاربة شبه عسكرية واستبدادية في إدارة الإعلام الرديف أو المناصر لداعش فعمل أبو بكر الغريب محمد خضر رمضان موسى، القيادي بداعش ومسؤول ملف الإعلام المناصر (شبه الرسمي)، على إنشاء مشروع إنتاج الأنصار والذي له قيادة موحدة تنسق عملية الإنتاج الإعلامي وتحظر على أعضاء التنظيم نشر أي مواد إعلامية دون الرجوع لديوان الإعلام المركزي، كما خاطب الديوان المذكور أفرع داعش الخارجية ووجه قيادتها بعدم السماح للكوادر الإعلامية بالعمل بشكل مستقل، وهو ما ركزت عليه “أخبار الآن” في تغطيته للصراعات بين الإعلام الرسمي وغير الرسمي لداعش.

وجراء تلك المقاربة، توقفت العديد من المؤسسات المناصرة العاملة في دعم داعش إعلاميًا، وخسر ديوان الإعلام المركزي جزءً هامًا من الجهد الإعلامي الذي يخدم مصالح التنظيم بسبب فشل قيادته في إدارة ملف “إنتاج الأنصار”، في ظل عدم وجود كوادر قيادية حقيقية قادرة على التعاطي مع التطورات التي حدثت في داخل التنظيم بصور فاعلة.

فقدان المصداقية الإعلامية

وفقد الإعلام الرسمي لداعش، تدريجيًا، الثقة التي كان يحظى بها في أوساط أتباع ومناصري التنظيم حتى أن أبو عبد الملك الشامي، أحد قادة التنظيم البارزين في سوريا، وصف إعلام داعش بأنه يُخدر عناصره ويخدعهم بالحديث عن الصمود الكاذب للتنظيم وعدم تأثره بالهجمات التي يشنها خصومه ضده، حتى يستفيق مقاتلو التنظيم على حقيقة أنهم خسروا كل شيء.

وألمح “الشامي” في رسالة سابقة كتبها ووجها لقيادة داعش ومقاتليه، بعنوان “زفرات من الدولة الموؤدة”، أن إعلام داعش تجنب الحديث عن الهزائم أو التراجعات التي مُني بها التنظيم، وحاول تصويره بأنه “خلافة لا تقهر” في حين كان مقاتلوه يُحاصرون ويُقتلون دون أن يسمع بهم أتباع التنظيم، مضيفًا أن عناصر داعش لجأوا لوسائل الإعلام والمصادر الإعلامية الأخرى للتعرف على أنباء عن ما يجري داخل تنظيمهم.

مقتل أبو سارة العراقي.. إمبراطورية داعش الإعلامية "فانية وتتدهور"

قناة فضح عُباد البغدادي تشير إلى أنا داعش أكد ضمنيًا مقتل قادته

ويتضح من رسالة أبو عبد الملك الشامي السابقة وغيرها أن إعلام داعش يُعاني من خلل هيكلي يتعلق بمدى مصداقيته في أوساط مناصري التنظيم، الذين صاروا يعرفون أخبار مقتل قادته من الأخبار التي ينشرها التحالف الدولي والقيادة المركزية الأمريكية وغيرها من الجهات المعادية للتنظيم، فضلًا عن وسائل الإعلام التي تنشر صورًا وتفاصيل عن قادة داعش لا يعلمها، في الغالب، عناصر التنظيم.

وعلى الجهة الأخرى، واصل الإعلام الداعشي العمل بالطريقة التقليدية القديمة التي تتضمن الترويج للرواية الرسمية التي تريد القيادة العليا للتنظيم نقلها لأفراده، دون الأخذ في الاعتبار أن تلك الرواية لم تعد صالحة كما كانت في الماضي لخداع عناصر وأنصار التنظيم، فضلًا عن تجاهل الإعلام الرسمي للحقائق الموجودة على الأرض حاليا والتي منها انهيار المصداقية الإعلامية، وضعف معنويات عناصر داعش، وتسربهم من صفوف التنظيم، وهو ما أكدته صحيفة النبأ في عددها الأخير (380) التي ذكرت فيه، صراحة، حدوث حالات تسرب وترك للتنظيم.

ويُثبت تعامل ديوان الإعلام المركزي ومن خلفه قيادة داعش مع حالات مقتل أمراءه البارزين أن المصداقية الإعلامية التي يحظى بها داعش تراجعت بصورة ملحوظة وإلى مستوى غير مسبوق، فحتى الآن، لم يكشف التنظيم عن حقيقة ما جرى لمتحدثه الإعلامي السابق أبو حمزة القرشي، ولم يذكر كيف قتل خليفته السابق أبو الحسن الهاشمي في جنوب سوريا منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وكذلك لم يعترف بمقتل أبو خديجة العراقي، والي العراق في التنظيم خلال الشهر الماضي، ومن قبله أبو ياسر العيساوي الوالي الأسبق لداعش على العراق والذي قُتل بوادي الشاي في كركوك في يناير/ كانون الثاني 2021، بالإضافة إلى أنه تجنب الإشارة من قريب أو بعيد لمقتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر رغم أن مقتله أصبح مؤكدًا من مصادر عدة من بينهم المقاتلين الذين انشقوا عن التنظيم وغيرهم.

اختراق كبير في التنظيم

ويلفت الصمت والتجاهل الإعلامي لمقتل قادة داعش النظر إلى نقطة محورية تتعلق بحدوث اختراق كبير في داخل التنظيم، وهذا الاختراق أدى لسقوط عدد كبير من قادته البارزين بما فيهم أبو سارة العراقي، وأبو خديجة العراقي ومن قبلهم أبو حمزة القرشي، المتحدث السابق، وغيرهم.

ووفقًا لقناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” فإن عملية الاستهداف الأخيرة لقادة داعش العراقيين بما فيهم أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر، تعني حدوث اختراق مهول للتنظيم وصل إلى نخاعه، وتركيز على استهداف القيادات العراقية التي تتحكم فيه، مضيفةً أن إعلام التنظيم الرسمي بما فيه صحيفة النبأ لن يتطرقوا إلى مقتل هؤلاء القادة، حتى يظل أنصار وعناصر التنظيم آخر من يعلم باستهداف قادتهم.

مقتل أبو سارة العراقي.. إمبراطورية داعش الإعلامية "فانية وتتدهور"

قناة فضح عباد البغدادي تتحدث عن اختراق داعش وإلى أن إعلامه لن يتحدث عن مقتل قادته

وتبرهن عديد من الوقائع والشهادات على أن تنظيم داعش أصبح مقوضًا من الداخل إلى حد كبير، وعاجزًا عن حماية أبرز وأهم قادته فضلًا عن عجزه عن حماية أفراده ومقاتليه الأدنى رتبةً، كما أن إعلامه الرسمي الذي يتحكم فيه ديوان الإعلام المركزي يتبع نهجًا مثيرًا للجدل والسخرية في آن واحد، ويواصل الكذب على أنصار التنظيم وخداعهم ليوهمهم أن خلافة داعش “باقية وتتمدد”، في يقول الواقع أن هذا البقاء ليس إلا على صفحات صحيفة النبأ أو في الإصدارات الوهمية التي تنشرها المكاتب الإعلامية الداعشية، وأن خلافة داعش “فانية وتتبدد”، كما يبدو.

الخلاصة

تؤكد عمليات استهداف وقتل قادة داعش الأخيرة بما في ذلك مقتل أبو خديجة العراقي، عبد الله مكي الرفيعي، والي التنظيم بالعراق، وأبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر أمير الإدارة العامة للولايات ومسؤول مكتب الشام/ الأرض المباركة في داعش أن داعش، وكذلك جناحه الإعلامي، يضعفان باستمرار فيما يواصل ديوان الإعلام المركزي الكذب على أتباع التنظيم متجاهلًا الحقائق على الأرض.

وتعيد العمليات الأخيرة إلى الأذهان محاولات التنظيم للتستر على مقتل أبو حمزة القرشي، المتحدث الإعلامي السابق للتنظيم، والتي انفضحت في نهاية المطاف واضطر التنظيم للاعتراف بمقتله دون أن يكشف الملابسات الحقيقية لوفاته، رغم الكشف عنها من قبل “أخبار الآن”، قبل أشهر طويلة.

وعلى نفس المنوال، حاول إعلام داعش التستر على مقتل أبو سارة العراقي وادعى أن كنيته “أبو عبادة العراقي” وأنه قيادي بتنظيم حراس الدين، الفرع السوري للقاعدة، لكن مصادر متطابقة كشفت أن القيادي المقتول هو عبد الرؤوف المهاجر أمير الإدارة العامة للولايات والذي يشتهر باسم حركي آخر هو “أبو سارة العراقي”، وهو ما يطعن في مصداقية المعلومات التي يتداولها ما يُعرف بـ”إعلام الخلافة” الذي أثبت في أكثر من مناسبة على أن يواصل ترويج “الخرافات” التي لم تعد تنطلي على أحد.