في سنتها الثانية.. هل تجر الحرب في أوكرانيا أوروبا إلى مأزق لا نجاة منه؟

  • بوتين خسر المعركة السياسية والأخلاقية مع الشعب الأوكراني
  • الخبراء العسكريين الغربيين يشككون بقدرة روسيا على تحقيق أي إنجاز كبير

في هذا الأسبوع يبدأ العام الثاني للغزو الروسي لأوكرانيا، والذي بدأ في يوم 24 شباط/ فبراير 2022، والخبراء يرون أنه سيشتد أكثر في العام الجديد. ربما لم تحسب روسيا وجنرالاتها أن الحرب ستطول إلى هذا الوقت مع أنها الآن مرشحة لتطول أكثر. وما بدأته روسيا تحت عنوان “عملية عسكرية خاصة” ووصفه الغرب بأنه “غزو غير مبرر“، أصبح “حرب استنزاف” ويحتاج إلى مئات الألوف من الرجال.

في العام الثاني للغزو.. هل يحسم التسليح الغربي الحرب لأوكرانيا؟

 

يبدو أن الأخطر لم يحدث بعد في سياق هذه الحرب. روسيا تحشد وأوكرانيا تستعد وتتلقى المزيد من المساعدات العسكرية الغربية التي يفترض أن تساعدها على الصمود إن لم تكن قادرة على تعديل مسار الحرب لصالحها. والتوقعات أن تكون الجولات القادمة من القتال بمثابة قتال كسر عظم. فالرئيس الروسي فلادمير بوتين (Vladimir Putin)، بات بحاجة ماسة لتحقيق مكاسب أكبر وملموسة لأجل تبرير هذا العمل العسكري أمام شعبه على الأقل. فهذا الشعب لم ينقسم بعد بشأن هذه الحرب ولا يبدو أنه سيعترض كثيرا مثلما فعل الشعب الأميركي إزاء حرب فيتنام. وفي رأي الخبراء إذا كان الرئيس بوتين قد كسب بعض المعارك فإنه بالتأكيد خسر المعركة السياسية والأخلاقية مع الشعب الأوكراني.

في العام الثاني للغزو.. هل يحسم التسليح الغربي الحرب لأوكرانيا؟

هناك تركيز روسي في قصف البنية التحتية في أوكرانيا بهدف جعل الحياة اليومية للسكان غير ممكنة. وفي الجانب الاستراتيجي تسعى القوات الروسية إلى إنهاك القوات الأوكرانية ومن ثم الزحف باتجاه الاستيلاء على الأراضي.

الجميع الآن بانتظار ما يوصف بالهجوم الكبير الذي تتوقعه أوكرانيا مع الربيع وتحاول الاستعداد له بطلب المزيد من السلاح والمعدات بينما تحشد روسيا المزيد من الرجال الذين قد يصل عددهم إلى 500 ألف بالإضافة إلى القوات الموجودة حاليا على الجبهة.

وعلى الرغم من التوقعات باشتداد القتال في السنة الثانية إلا أن الخبراء العسكريين الغربيين يشككون بقدرة روسيا على تحقيق أي إنجاز كبير. فالقوات الروسية تنتشر على مساحة عريضة جدا من الجبهة وتكاد تكون منهكة من الصعوبات التي تواجهها سواء من ناحية الطقس أو نقص المعدات بالإضافة إلى وجود بعض حالات التمرد بحسب ما تقول وسائل الإعلام الغربية.

في العام الثاني للغزو.. هل يحسم التسليح الغربي الحرب لأوكرانيا؟

كذلك الحال مع الجبهة الأوكرانية حيث تثار من حين لآخر حول جدوى مواصلة الغرب بتسليح أوكرانيا. وأحد المؤشرات على ذلك أن فرنسا تراجعت عن وعدها بمنح أوكرانيا دفعة من الطائرات الحربية المتطورة حديثة الصنع بحجة عدم توفر طيارين في أوكرانيا متدربين على قيادة هذه الطائرات. أوكرانيا في وضعها الحالي بحاجة إلى كل أنواع السلاح وبشكل خاص الطائرات والدبابات وقد وعدت بدفعة من طائرات إف ستة عشر (F-16)، وكذلك بدفعات من الدبابات الحديثة. لكن لا يبدو أن الغرب سيزود أوكرانيا بأي من هذه الطائرات خشية أن تعتبر روسيا أن الغرب يشارك في الحرب.

 

في الصحافة الأميركية تم رصد تسريبات تشير إلى أن مسؤولين أميركيين أبلغوا أوكرانيا أن الدعم لا يمكن أن يستمر بلا حدود، وأن ما وصلها من دعم عسكري يجب أن يكفيها لكي تتمكن من تغيير مسار الحرب. لكن الغرب سيواصل تزويد أوكرانيا بالسلاح التقليدي غير أن التشاؤم هو سيد الموقف الآن. كان هناك تصريح لوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن (Lloyd Austin)، يؤكد فيه استمرار الدعم الأميركي والغربي لأوكرانيا وفي هذا إشارة واضحة إلى إمكانية استمرار الحرب لمدة طويلة وقد تكون أطول من كل التوقعات. ومعنى هذا أن حرب أوكرانيا قد تجر أوروبا إلى ما هو أكبر، وقد تكون حربا إقليمية كبرى في أوروبا، أو حربا عالمية ثالثة، لكن هذا الخيار لن يكون سهلا وإذا وقع المحظور ستكون نتائجه أكبر من أن تتحمله البشرية.

 

عدم تحقيق القوات الروسية لنجاحات بارزة وحاسمة في أرض المعركة سيجعل الحل التفاوضي في خانة المستحيل. بحسب الخبراء العسكريين فإن روسيا لا تقصد من الحرب أن تجعل أوكرانيا حاجزا بينها وبين الغرب، بل تسعى إلى محوها عن الخريطة وهذا ما لن يسمح به الغرب مهما كان الثمن. والانتصار الذي يسعى إليه بوتين هو الاحتلال الكامل لكل إقليم الدونباس (Donbas region) وجعل أمر استعادته من قبل أوكرانيا مستحيلا.

هل تستطيع روسيا أن تحقق في السنة الثانية من الحرب مالم تحققه في السنة الأولى؟

تشير المعلومات الصادرة عن حلف الناتو (NATO) أن الخسائر الروسية كانت كبيرة جدا، وكشفت روسيا عسكرياً أمام خصمها الرئيسي وهو الناتو، بعد أن وصلت خسائرها إلى ما يقرب من 30% من مخزون دباباتها. أما احتلال أوكرانيا وإدامة هذا الاحتلال فستكون باهظة إلى أقصى حد وخصوصا في المجال الاقتصادي وسيكون ثمنا لا تقدر عليه موسكو.

كما تشير معلومات الناتو أن معنويات الجنود الروس ضعيفة إن لم تكن منهارة بسبب الأوضاع التي يعانون منها سواء من ناحية الطقس أم التموين أو نقص الذخيرة، وهذه ظروف تهدد بانهيار الجيش الروسي، مثلما حدث عندما انهار الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى. كذلك سربت أوساط من داخل الكرملين (the Kremlin)، بوجود تململ في أوساط القيادة الروسية ومن ضمنهم من أخذ ينتقد الموقف الروسي الرسمي. ووصل الأمر بهذه التسريبات إلى توقع أن تتم إطاحة الرئيس بوتين. لكن تغيير النظام في موسكو بصورة عشوائية مع استمرار تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية سيخلق حالة من الحكم غير قابلة للسيطرة عليها.

في العام الثاني للغزو.. هل يحسم التسليح الغربي الحرب لأوكرانيا؟

في مواجهة هذه الظروف قد تلجأ القيادة الروسية التي تمسك بكل الخيوط إلى تصعيد حدة القتال من خلال هجوم الربيع المرتقب، وتجديد الهجمات على قوافل التزويد للقوات الأوكرانية، وحتى ضرب معسكرات التدريب في بعض دول الناتو المجاورة، وفي حالات قصوى قد تلجا روسيا إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية صغيرة.

في بداية السنة الثانية من الحرب يظهر الجانبان أنهما غير مستعدين لتقديم أي تنازلات وهذا سيؤدي إلى مزيد من التصعيد. فاستعدادات روسيا ضخمة جدا والإصرار الأوكراني على الدفاع عن البلاد لا يهدأ.  تتركز أهداف روسيا القريبة في قطع خطوط الإمداد الأوكرانية إلى الجبهة. ويقول الخبراء أن أوكرانيا لن تكون قادرة على تحقيق أي إنجاز عسكري في السنة الثانية من الحرب، أو أن تشن هجوماً مضاداً ناجحاً يمنع تقدم القوات الروسية. والفكرة السائدة الآن هي أن الحرب ستصبح عاجلاً أم آجلاً حرباً بين روسيا والناتو ولكن على الأرض الأوكرانية. وفي هذه الحالة هل ستؤدي إلى تفكيك روسيا؟ أو استنزافها حتى تفقد كل أسلحتها؟

ما يسعى إليه الغرب هو المحافظة على هيمنة القطب الواحد في النظام الذي تبلور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (the Soviet Union). أما بوتين فيريد تغيير هذا النظام وإيجاد مكانة لروسيا تكون فيه قطباً ثانياً في مكان الاتحاد السوفيتي الذي كان.

مع استمرار الغزو الروسي في أوكرانيا فإن من النتائج المتوقعة أن حرباً باردة جديدة قد تشتعل بين الدول الكبرى. لكنها لن تكون مثل الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي لكنها أشبه بحال العالم عشية الحرب العالمية الأولى.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن