تقرير أممي: سيف العدل يتنقل بين إيران وأفغانستان

قد لا يستغرب البعض عندما يقرأ في تقرير الأمم المتحدة الأخير أن سيف العدل يتنقل بين إيران وأفغانستان بعد سيطرة طالبان على كابول في أغسطس ٢٠٢١. فقد ترددت أنباء منذ سنوات أن الرجل يعيش في جنوب شرق إيران وبالتالي تنقله بين البلدين وارد. لكن إعلان هذه المعلومة في هذا الوقت يعيدنا إلى المربع الأول والسؤال الأهم وهو: ماذا كان يفعل سيف العدل طوال السنوات الاثنتين وعشرين سنة الماضية في إيران؟ وماذا يعني أن يكون قادراً الآن على عبور الحدود إلى أفغانستان؟ هل يستحوذ على زعامة القاعدة من دون ”بيعة“؟ وهل سيتخلص سيف العدل أبداً من ”متلازمة طهران“ والعلاقة الإيرانية؟

التقرير

صدر التقرير الرابع عشر لفريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات التابع لمجلس الأمن الدولي والمتعلق بحركة طالبان وما يرتبط بها من أفراد وكيانات ”يشكلون تهديداً للسلام والاستقرار والأمن في أفغانستان.“ يلفت ما جاء في التقرير عن علاقة طالبان بالقاعدة وأفرعها.

التقرير المؤرخ في ١ يونيو ٢٠٢٣، خلص إلى أن هذه العلاقة لا تزال ”قوية ومنافعها متبادلة … وثيقة وتكافلية؛“ فثمة مؤشرات على أن تنظيم القاعدة يعيد بناء قدراته العملياتية داخل أفغانستان.

من ناحية، أنشأ التنظيم ”معسكرات تدريب جديدة في بادغيس وهلمند وننكرهار ونورستان وزابول، إضافة إلى منازل آمنة في فراه وهلمند وهيرات وكابول.“ أحد هذه المعسكرات ”معد خصيصاً لتدريب الانتحاريين، يرافقهم جهاز إعلامي جديد لتنظيم القاعدة يجري تثبيته في هيرات.“ من هذه التفاصيل يتضح أن عودة القاعدة إلى أفغانستان تسير على قدم وساق.

من ناحية ثانية، يذكر التقرير أن طالبان أسندت أدواراً ”استشارية“ لعدد من أعضاء تنظيم القاعدة في مفاصل ”أمنية وإدارية؛“ بل ”إن طالبان صرفت للقاعدة مرتبات رعاية اجتماعية شهرية.“ وهذا كله مخالف لاتفاقية الدوحة التي تنص على أن طالبان تلتزم بعدم تمويل أو إيواء أيّ من القاعدة.

هل يتحرر سيف العدل أبداً من ”متلازمة طهران“؟

من ناحية ثالثة، يذكر التقرير أن شخصيات وازنة في تنظيم القاعدة حضروا إلى أفغانستان منذ سيطرت طالبان على البلد. منهم محمد أباطاي أو عبدالرحمن المغربي، صهر زعيم القاعدة أيمن الظواهري؛ والذي يُعتقد أنه يعيش في إيران. المغربي من المرشحين الأقوياء لزعامة التنظيم بالنظر إلى قربه من الظواهري وبالنظر إلى الحظوة التي تمتع بها لدى أسامة بن لادن. فكان بن لادن يفضله على سيف العدل. وهنا نأتي إلى مربط الفرس. بحسب التقرير، فإن الثابت هو أن سيف العدل جاء إلى أفغانستان من إيران بعد تاريخ أغسطس ٢٠٢١. وفيما تشير معلومات إلى أنه ربما عاد إلى إيران نهاية العام الماضي وتحديداً في نوفمبر؛ تشير معلومات أخرى إلى أنه لا يزال في أفغانستان.

مصير الظواهري

إذاً، الثابت هو أن سيف العدل تنقل في العام الأخير على الأقل بين إيران وأفغانستان. لكن ألا يخشى على نفسه من أن يواجه مصيراً مثل مصير الظواهري؟

ينقل التقرير أن قتل الظواهري في يوليو الماضي عندما كان في ضيافة وزير الداخلية بالإنابة سراج الدين حقاني في كابول تسبب في انقسام بين مكونات الحكم في طالبان. يقول التقرير إن عبدالغني بردار، أحد مؤسسي طالبان، والشخص الأبرز الذي تصدر

وفد طالبان إلى مفاوضات الدوحة في ٢٠٢٠، غضب من سراج الدين وقال له: ”إنه ظهر بمظهر الكاذب أمام المجتمع الدولي لإنكاره الدائم أن طالبان تؤوي القاعدة.“ وفيما يحاول بعض طالبان التفكير في خطة للتعامل مع هذا الحرج، يبحث آخرون عن الذي وشى بالظواهري. يزيد التقرير أن مقاتلين أجانب قلقون من أنه إذا ”غدرت طالبان“ بشخص مثل الظواهري، فقد يتعرضون هم للخيانة أيضاً! بحسب التقرير ثمة ٤٠٠ عنصر من القاعدة مع عائلاتهم في أفغانستان.

متلازمة طهران

كان سيف العدل من قيادات القاعدة الذين ”لجأوا“ إلى إيران إبان الغزو الأمريكي لأفغانستان في ٢٠٠١. بحسب قيادي آخر هو أبو حفص الموريتاني، فقد وجهت إيران دعوة إلى هؤلاء لدخول أراضيها في نهاية ذلك العام؛ وهم قبلوها. في ٢٠١٥، كان سيف العدل مشمولاً في صفقة تبادل أسرى بين إيران وفرع القاعدة في اليمن. لكن لسبب ما، ظل سيف العدل في إيران. وبحسب رواية وثقها في أكتوبر ٢٠١٧، خالد العاروري أبو القسام الأردني، القيادي السابق في القاعدة وصهر أبي مصعب الزرقاوي وأحد المشمولين في تلك الصفقة، فإن سيف العدل حتى ذلك التاريخ – أكتوبر ٢٠١٧ – كان يعيش في إيران حراً طليقاً من دون قيود باستثناء السفر إلى الخارج.

ونعلم من اغتيال القيادي في القاعدة أبي محمد المصري في طهران في أغسطس ٢٠٢٠، أن الرجل اغتيل وكان يقود سيارة في حي راق من أحياء طهران وكانت معه ابنته، زوجة حمزة بن أسامة بن لادن.
وفي صورة نشرها حساب anonymous وأكد حساب ”أنباء جاسم“ أنها تعود إلى ما قبل العام ٢٠١٥، ظهر سيف العدل وأبو محمد المصري وهما يستجمان في أحد منتزهات طهران العريقة.

”الحليف لن يمنح دون مقابل“

يدرك سيف العدل كما يدرك قادة القاعدة وعناصرها وأنصارها أن وجوده في إيران طوال عقدين من الزمان هو عقبة في الطريق إن أراد أن يُثبَّت زعيماً للتنظيم خلفاً للظواهري.

بحسب وثيقة وقعها قياديون في القاعدة من العام ٢٠١٤، يبدو أن الظواهري اشترط على خليفته أن يكون في أفغانستان أو أحد أفرع التنظيم. وبالتالي، إن أراد سيف العدل أن يكون زعيماً لتنظيم القاعدة، عليه أن يخرج من إيران.

هل يتحرر سيف العدل أبداً من ”متلازمة طهران“؟

 

لكن، هل سيكون حراً من إيران؟ سيف العدل يعلم تماماً أن أحداً لا يعطي من دون مقابل. في كتابه ”الصراع ورياح التغيير“ وفي الصفحة ٩٧، يكتب: ” قادة المجاهدين يجب أن يكونوا على درجة من الوعي لإدراك حيل ومتقلبات السياسة .. إن بعض الدول تتحالف مع العصابات وتتحالف عليهم في نفس الوقت .. فالحليف لن يمنح دون مقابل .. ولن يُقوّي خصم مستقبلي بل يبقه مقيداً .. ولن يقضي على العدو بل يبقيه ضعيفاً .. ليشغل كلا الجارين ويبقى مستفيداً.“ فما الثمن الذي دفعه سيف العدل ولا يزال إلى إيران؟
علاقة سيف العدل بإيران، أو ”متلازمة طهران“، لا تكتمل إلا بالحديث عن صهره مصطفى حامد أبي الوليد المصري، الذي كان له دور كبير في الترويج لسيف العدل وإعلاء شأنه.

مصطفى حامد لم ينضم إلى القاعدة يوماً، ولا يخفي خلافه مع أسامة بن لادن في أكثر من مناسبة تصل أحياناً إلى التهكم والسخرية. لكن الحال مختلف مع سيف العدل، الذي كان أيام بن لادن المسؤول العسكري للتنظيم.

يتحدث مصطفى حامد عن سيف العدل بعبارات راقية واصفاً كيف أنه حلّ مشاكل عجز عنها بن لادن. في نفس الوقت، لا يخفي مصطفى حامد امتعاضه من انضمام سيف العدل إلى القاعدة التي فشلت في استراتيجيتها. في سلسلة مقالات، يصف مصطفى حامد الجهاديين بـ ”بغال التحميل“ لأنهم انحرفوا عن ”الطريق الصحيح“ إلى الجهاد. لدى مصطفى حامد رؤية مختلفة وطموح مختلف يتماهى مع النموذج الإيراني الذي يبشر به عند طالبان والذي يعتبره ”بوابة الدفاع عن قوى آسيا الكبرى!“