حرب غزة تفضح فشل التنظير الجهادي

  • الجولاني وحيداً: انقلابات في قلب هتش وإقصاء – القحطاني وزكّور
  • ظل الله على الأرض: صراع القمة في طالبان بين أخوندزادة وحقّاني
  • – الإيغور ٢٠٢٣، ”لا بواكي لهم“

في الجزء الثاني من حصاد ٢٠٢٣، نستعرض ما حدث في الحرب على غزة والتي ليست أمراً غير اعتيادي، لكن غير المسبوق هو رد الفعل الإسرائيلي على هجمات حماس التي بدأت فجر السبت ٧ أكتوبر، وكذلك، موقف الجهاديين من حماس ليس خفيّاً، لكن الجديد أيضا هو تعمّق الخلافات بين أتباع التنظير الجهادي إلى حدّ تقسيم المقسم؛ خاصة بين أنصار القاعدة الذين باتوا يتخبطون وهم يبحثون عبثاً عمّا يبرر صحة منهجهم.

موقف الجهاديين المعلوم من حماس يتلخص في مسألتين: الأولى والأهم هو تبعية حماس المعلنة لنظام الحكم في طهران وهو النظام الذي يقتل السنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

والثاني هو مفاهيم الوطنية والديمقراطية والحرية والأرض التي يَعدّها الجهاديون ضرباً من الكفر. فمشاركة حماس في انتخابات 2006 يكفّرها؛ وانقضاض حماس على جماعة السلفي أبي النور المقدسي في 2009 يُكفّرها.

المسألة الخلافية الثالثة التي أظهرتها حرب 2023 هي مبدأ ”تغليب المصلحة على المفسدة؛“ فهل حقق فعل حماس في 7 أكتوبر مصلحة أم جلب مفسدة مع استمرار أمد الحرب وتعاظم آلام الغزيّين؟

منذ الأيام الأولى للحرب، احتشد الجهاديون، باستثناء داعش، خلف الجانب الفلسطيني الذي يمثله حماس؛ محاولين التغلب على منهج حماس السياسي باسترجاع فتاوى تميّز بين جناحي الحركة، فالجناح السياسي هو الموالي لإيران والمشارك في نشاطات يعتبرها الجهاديون غير شرعية وبالتالي هو كافر، أما العسكري ممثلاً بكتائب القسام فهم مجاهدون حقيقيون.

أهم من أجاز هذه الفتاوى كان أبو محمد المقدسي ومن معه في موقع منبر التوحيد والجهاد. لكن هذا التفصيل كان ناقصاً منذ البداية.

المرصد رقم 225| 2023 الجزء الثاني طوفان الأقصى يعصف بالجهاديين.. حرب غزة تفضح فشل التنظير الجهادي

في 23 سبتمبر 2009، كتب المقدسي في المنبر: “فمن كان من كتائب القسام لا ينصر الحكومة (أي حكومة حماس) التي تعطل شرع الله وتحكم بالقوانين الوضعية وتتخذ الديمقراطية التشريعية منهجا… إن وجد (هذا العنصر) فلا نكفره؛ لكن … مثل هذا لا يمكن أن يوجد إلا باعتزاله العمل وبقائه تحت كتائب القسام بالاسم فقط.”

بعد أربعة أيام من الإجابة هذه، ناقض المقدسي نفسه عندما قال إنه: “لم يصدر مني تكفيرا للحركة ولا تكفيرا لكتائب القسام بالعموم ولا بالتعيين.“

لكن في يونيو 2021، استنكر المقدسي بياناً للقاعدة يعزي بقائد لواء غزة في كتائب القسام باسم عيسى أبو عماد. المقدسي وصف الرجل ”بالقائد القسامي.“

حرب 2023 استدعت المقدسي أن يكتب مجدداً محاولاً تبرير فتواه فيفتح الباب على جدل جديد عندما شبّه حماس بداعش. هنا لم يذكر المقدسي حماس السياسية أو العسكرية.

في 13 ديسمبر، ساوى بين غزة 2023 والباغوز 2019. يقول: ”ومن دفع الثمن باهظاً لم يكن البغدادي ومن أخرَجوا عوائلهم قبل المذبحة إلى أماكن آمنة! كما هو حال هنية وخالد مشعل والعاروري! وغيرهم. مَن دفع الثمن باهظاً هم الأطفال والنساء والشيوخ الذين لازالت عظامهم في الموصل والباغوز وغزة وخانيوس تحت الأنقاض!“

”عَوار“ حماس

مع امتداد الحرب، توسعت الخلافات وتعمقت حتى بين أفراد الصف الجهادي الواحد، إلى حد وصلت فيه إلى مكان قد يصعب الرجوع منه.

ظهر هذا فيما كتبه أربعة جهاديين في الفترة من 28 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2023.

هؤلاء هم نائل الغزي وأبو محمود الفلسطيني وكلاهما ينتميان إلى نهج أحد أقطاب الجهادية أبي قتادة الفلسطيني؛ فيؤيدان سياسة هيئة تحرير الشام في إدلب، ويخالفان القطب الآخر أبا محمد المقدسي. الآخران هما طارق عبدالحليم وأبو علي العرجاني وهما يخالفان هيئة تحرير الشام. تعليقاً على أحداث غزة، اتفق المختلفان واختلف المتفقان.

اختلف الغزي وأبو محمود حول علاقة حماس مع إيران، الغزي لا يراها عيباً وأبو محمود يراها كذلك. واتفق في هذا الغزي مع العرجاني الذي اختلف بدوره مع عبدالحليم في توصيف الانتصار في غزة. فبينما اعتبر العرجاني أن حماس انتصرت قال عبدالحليم إن سلوك حماس ”عوار ما بعده عوار.“

#جهاد_طروادة

في ملف الحرب على غزة، لفتت سلسلة مقالات مصطفى حامد أبو الوليد المصري في موقع مافا السياسي الإيراني.

المرصد رقم 225| 2023 الجزء الثاني طوفان الأقصى يعصف بالجهاديين.. حرب غزة تفضح فشل التنظير الجهادي

أبو الوليد هو من الجهاديين العرب القدامى في أفغانستان. وهو صهر سيف العدل الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة. كلا الرجلين يعيشان في طهران.

في 29 أكتوبر كتب حامد تحت عنوان ”غزة : الموت على الطريقة الشيعية“ منتقداً منتقدي سلوك إيران تجاه غزة المتمثل في عدم المشاركة الفعلية والاكتفاء بتصريحات شاجبة كغيرها من دول المنطقة السنية.

لكنه في 11 ديسمبر أبدى امتعاضه ليس من منتقدي إيران ولكن من حماس نفسها. تحت عنوان:

”وسقط المسجد الأقصى من حسابات طوفان الأقصى“ أراد مصطفى حامد أن يكون الصراع مع إسرائيل عالمياً لا يقتصر على القدس والأقصى وإنما يمتد إلى مكة والمدينة.

واعتبر أن إيران يجب أن تكون في صلب هذا الصراع منتقداً الدعوات إلى إنهاء الحرب بإنهاء ملف الأسرى. فاعتبر أن حماس هي المسؤولة عن ضياع البوصلة في طوفان الأقصى؛ فلم تحقق أي انتصار في غزة ولا حتى في صفقة التبادل التي قال إنها تخدم إسرائيل أولاً.

كما حمّل مصطفى حامد حماس مسؤولية ضعف الرد من جانب إيران ووكلائها في المنطقة على أساس أن حماس اختارت أن تكون أقرب إلى المحور العربي منها إلى المحور الإيراني. وهكذا دعا إلى ضرب موانئ السعودية في البحر الأحمر؛ وكل هذا خدمة لإيران.

الجولاني وحيداً

2023 انتهى ”بتعديل إداري“ في هيئة تحرير الشام لا يزال غير معلوم إن كان موجعاً لزعيم الهيئة أبي محمد الجولاني.

أبو ماريا القحطاني الذي ظل يوصف بأنه ذراع الجولاني اليمين أودع السجن تحت التعذيب، وأبو أحمد زكور الذراع الأخرى انشق أو طرد.

في منتصف 2023، وردت أنباء عن خلية جواسيس داخل الهيئة يتخابرون مع أطراف أجنبية: التحالف الدولي أو روسيا؛ وأن الخلية تضمن قياديين.

في أغسطس، أكدت الهيئة ”توقيف“ أبي ماريا القحطاني الرجل الثاني في الجماعة وتجميد صلاحياته. الهيئة حاولت إبعاد تهمة العمالة عن القحطاني واعتبار ما حدث ”خطأ تقدير“ في التواصل لا أكثر.

وفيما تواترت أنباء أن الجولاني مستعد لإبعاد القحطاني إلى العراق، سرعان ما انتقل الحديث إلى رفيقه، والمسؤول المالي عن الهيئة، أبي أحمد زكور. فوردت أنباء أن الهيئة كانت تلاحق زكور الذي فرّ إلى مناطق درع الفرات واحتمى بأقاربه من عشيرة البكارة؛ خاصة بعد أن اعتقلت الهيئة كبير معاونيه أبا الزبير سرايا.

كل هذا كان في إطار التهم بالعمالة. لكن مع نهاية نوفمبر، وردت أنباء أن السبب الحقيقي لاعتقال القحطاني وملاحقة زكور هو الترتيب لانقلاب على الجولاني. وبعد أسبوعين، وتحديداً في 13 ديسمبر، تناقلت معرفات موالية للقحطاني إن الرجل في سجون الهيئة يتعرض للتعذيب حتى كاد يموت.

بحلول 19 ديسمبر، كانت الهيئة شنّت حملة على زكور بعد إعلان انشقاقه وإعلان الهيئة طرده. اقتحمت مقره في اعزاز واعتقلته إلا أن جهة ثالثة حررته وفرّ إلى مكان غير معلوم.

انقضى العام والأخبار تتواتر عن احتمال اعتقال عضو المجلس الشرعي في الهيئة مظهر الويس ثالث القحطاني زكور، والمسؤول العسكري أبو حسن 600. في الأثناء برزت أسماء قياديين جدد لسدّ الفراغ في الهيئة.

حسابات معارضة نقلت أن الجولاني أسند ملف الشمال – مناطق درع الفرات وغصن الزيتون – إلى أبي إبراهيم سلامة بدلاً من زكور. سلامة معروف في أوساط المعارضة بأنه ”مخلوف“ إدلب نظراً لسيطرته الواسعة على أعمال تجارية مليونية في المنطقة.

برز أيضاً اسم أبو حسين الأردني، مسؤول المتابعة في الجناح العسكري للهيئة والذي قال عنه أبو العلاء الشامي المنشق عن الهيئة إنه هو من ”لفق“ تقارير طالت قياديين عسكريين.

وربما كان الاسم الأبرز هو وسام الشامي، الذي قال عنه صالح الحموي إنه ينتمي إلى منطقة الجولاني.

تجفيف هتش مالياً

فيما ختم العام على أخبار زكور، بدأ على أخباره أيضاً،  في مايو، فرضت وزارة الخزينة الأمريكية، وبالتعاون مع تركيا، عقوبات على الرجل باعتباره ميسراً مالياً للهيئة التي هي أصلاً جبهة النصرة المدرجة على قائم الإرهاب منذ 14 مايو 2014.

اعتُبر القرار وقتها ”صفعة“ للهيئة فزكور هو ”صاحب الشبكات التجارية الممتدة من إيران والصين إلى إدلب، وهو المشرف على توزيع احتكارات السلع الرئيسية في الشمال السوري ومهندس الحركة التجارية بين مناطق سيطرة الهيئة في إدلب ومناطق سيطرة النظام عبر معبر معارة النعسان غير المعلن؛“ بحسب القدس العربي.

المرصد

طالبان 2023: عودة إلى الوراء الوراء

فيما تسعى طالبان إلى اعتراف دولي ومقعد في الأمم المتحدة، تظهر خلافات داخل أقطاب الجماعة؛ وتتعمق أخرى بين الجماعة ومريديها من منظري الجهادية القاعديين الذين يعتبرونها مثلاً وقدوة.

في فبراير 2023، وفي حدث نادر، وجه سراج الدين حقاني، وزير الداخلية بالوكالة في حكومة طالبان، انتقاداً مبطناً ولكن شديداً لزعيم الجماعة هبة الله أخندزاده القابع في قندهار. ما استدعى رداً من المتحدث الأول باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، مستنكراً أن ”يُهان“ ”أمير المؤمنين“ أخوندزادة على هذا النحو.

وعند الجهاديين، لا تزال العقدة الإيرانية وعلاقة طالبان بإيران شوكة في الحلق يصعب بلعها أو لفظها.

في فبراير 2023، حضر مسؤولو طالبان حفلاً للسفارة الإيرانية في كابول بمناسبة ذكرى ثورة الخميني.

منظر الجهادية، طارق عبدالحليم، قال على إكس: ”ما شأنكم في الاحتفال بثورة الروافض المعادين القاتلين لإخوانكم السنة في سوريا واليمن ولبنان والعراق! عجبي! ماذا تقولون لضحاياهم؟!

في أبريل 2023 تداول أنصار طالبان صور لوحات إعلانية رُفعت في العاصمة كابول تقول: ”سنفطر في القدس.“ احتفاء أنصار طالبان باللوحات لم يجد ما يوازيه سوى احتفاء القنوات الإيرانية بها؛ حتى نُقل أن اللوحات رُفعت بدعم من السفارة الإيرانية في كابول.

طالبان و“انكسار“ القلم

فيما تواصل طالبان منع التعليم الثانوي والجامعي للإناث في أفغانستان، انقضّ أمنيو الجماعة على ناشطين وأكاديميين يحاولون كسر هذا الحصار التعليمي، فاعتقلوا في فبراير الأستاذ الجامعي إسماعيل مشعل الذي مزّق شهاداته في مقابلة تلفزيونية احتجاجاً على قرار طالبان، وأقام لاحقاً كشكاً لتوفير الكتب للطالبات.

وفي مارس اعتقلوا مطيع الله ويسا مؤسس منظمة Pen Path – مسار القلم التي توفر مدارس ومكتبات متنقلة لتعليم البنات والأولاد على حد سواء خاصة في المناطق النائية.

مظلمة الإيغور

ظلت مظلمة الإيغور على حالها في 2023. لم يغير الحزب الشيوعي الحاكم في بكين سياسته القمعية تجاه إقليم شنجان حيث الأغلبية من الإيغور المسلمين.

في سبتمبر، ثبتت السلطات الصينية الحكم بالسجن المؤبد على الأكاديمية الدكتورة راحلة داوود التي اختفت قسراً في العام 2017.

الدكتورة راحلة من أشهر الباحثين في توثيق التراث الإيغوري، ولهذا اعتبرت الصين أنها تشجع نزعات انفصالية بما يشكل خطراً على الحزب الحاكم.
منذ 2017، غيّبت السلطات الصينية أكثر من مليون وثمانمئة ألف إيغوري تغييباً قسرياً منهم 300 على الأقل مفكرون وأكاديميون.

المرصد رقم 225| 2023 الجزء الثاني طوفان الأقصى يعصف بالجهاديين.. حرب غزة تفضح فشل التنظير الجهادي

حرب الأخبار الزائفة

تداول الأخبار الزائفة أو المعلومات المغلوطة وصل في 2023 وتحديداً في حرب غزة حداً غير مسبوق؛ فوقع في فخ الأخبار الزائفة مؤثرون وازنون؛ وأصبحت مهمة التحقق خاصة من الصور والفيديوهات شاقة.

وحتى قبل الحرب، كُشف النقاب عن حملات تزييف ممنهجة تقودها روسيا والصين. في أبريل، سُرب تقرير من البنتاغون يقول إن روسيا طوّرت وسائل لبث المعلومات مغلوطة في الفضاء الافتراضي بحيث لا تستطيع الوسائل التقليدية تعقب أكثر من 1٪ من مصادر هذه المعلومات. وفي سبتمبر، نشرت الخارجية الأمريكية تقريراً يستعرض أساليب الصين في الهيمنة على تدفق المعلومات في العالم.